top of page

الموضوع :

{ ثوابت نهج المتأملين في كتاب الله الكريم }

إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)

الكاتب   : خالد بن عايض الأسمري

اليوم     : الإثنين

التاريخ : 14/ 04/ 1439 هـ

مختصر الموضوع :

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الله يحبك ، لذلك أرسل رسالة مباشرة لك ، بعث بها الله إليك بأفضل ملائكته إلى أفضل خلق الله من بني آدم عليهم الصلاة والسلام جميعاً ، ويقول الله لك فيها ( تأملها بقلب صادق ) وبعقل رزين ، عقلٌ يبحث عن سبل التقرّب إلى الله الذي خلقه .. تأمل كلماتها ومفرداتها وحِكَمِها وقِصَصِها وتَشْريعاتها .. إتبع ما جائك فيها من نصائح ربك المُحِب لك ، ففيها دليلك الصحيح لدخول جنات عرضها السماوات والأرض خلقت لك أنت

دَعْ نفسك ترتاح من عناء الدنيا وتعبها وهمومها ، دعها تتلذذ وتستطيب العيش في كَنَفِ كلماتِ ربِّها ، فإن نفسك هي أعلم الخلق بأصدق الحديث وأطيب الكلام ..
ولا تجعل أحداً من الخلق يقود عقلك ومصيرك ، فلربما يقودك للهلاك بينما من حقك أن تبحث عن سعادتك .. وتقرر أنت مصيرك ومصير علاقتك مع الله  

photo

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين .. والصلاة على الهادي بهدي الله للبيان والتبيين .. محمد بن عبدالله المصطفى وعلى آله وصحبه وكافة أنبياء الله ورسله أجمعين ... أما بعد 


فإننا لمّا رأينا كثيراً من الناس على إحدى حالتين ( إما إفراط ... أو تفريط ) في قياس حدود التأمل في كتاب الله ، وما ذاك إلا بسبب نقصٌ فيما ورد إلينا من السَلَفِ الصْالِح في هذا الشأن .. بسبب ما نال الأمّة من استهدافٍ لعِلْمِها وعُلَمَائِها .. كُتبهم وتدويناتهم على مَرِّ الزمان .. فكم دُمّرت من مكتبات وكم سُلبت من علوم .. ولعل من بين تلك العلوم ، العلم الذي يبين للمتأملين في كتاب الله سُبيل ونهج رسولنا الكريم صل اللهم عليه وسلم ونهج أصحابه في ذلك .. لذلك فقد كرَّسْنا من الجُهد في هذا المجال ، لدراسته وفق المُعطيات التي وهَبها الله لنا في كتابه الكريم ، فوجدنا بعض ما هدانا الله العزيز القدير إليه ، إذ يقول سبحـــانه وتعالى ( ثم إن علينا بيانه ) ويقول عز وجل ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) .. وبالتجارب المُسْتَفيضَة  وجَدنا أننا به أقرب إلى الله  ، لذلك فإن وضعه هنا واجب يحتمه علينا الواجب الإنساني ، راجين من الله أن ينفع به ، إنه ولي سميع مجيب الرجاء ، فإن أصبنا في ذلك فهو من هُدَى الحكيم الخبير الذي هدانا إليه بتوفيقه ، وإن أخطأتَ الصواب فإني اسأل الله العفو الغفور مغفرته على ما اقْتَرَفْت ، ورجائي بعفوه حسن مقصدي ونيتي التي يعلمها ، إنه ولي ذلك والقادر عليه سبحانه :-

وبذلك نقول وبالله التوفيق والإستعانة إن لِنَهْج التأمل في القرآن الكريم  ثوابتٌ وركائزٌ يجب مراعاتها عند التأمل في كلام الله عز وجل وهي على النحو التالي :-


1. قال الله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )
                                                  في هذه الآية دلالة واضحة من الله عز وجل للناس يقول لهم فيها :  لا تخشوا من التأمل والتدبر فيه ، بنيّةَ اليقين بالله والتقرب إليه سبحانه فإن هذا القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهذا حثٌ واضحٌ وصريح من الله عز وجل لنا بالتأمل والتدبر في القرآن ودليل ذلك قوله سبحانه ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) .

2. القرآن الكريم ( كلام الله ورسالتة إليك أيها الإنسان )
                                                        يجب أن تُدْرِك أن هذا القرآن رسالة الله المُبَاشِرة لك أنت من الله عز وجل  . حيث يجب عليك  النظر إلى مقصد اللفظ الإلاهي في هذه الرسالة في لفظها القرآني على هذا الأساس . واستشعار إن الله يخاطبك أنت بصفتك إنسان يستحق  محبة الله له ..

3. القرآن عربي ( وعربيته حُجّة بالغة )
                                           تَتَبَّع كلمات ألفاظ القرآن على أســاس أن القرآن نزل بلسان عربي مبين ، يقول الله سبحانه وتعالى ( إنا أنزلناه قرآناً عربياً ) ..لذلك يجب الرجوع إلى المعاجم العربية الموثوقة عند البحث عن معنى كلمة أو جملة .

4. القرآن هداية إلى الحق ، ورَدٌ مُلْجِمٌ على أقوال الفلاسفة )
                                                  رَفْضُ أي قول مأثور للفلاسفة جُمْلَةً وتَفْصِيلا .. حيث أن الله سبحانه وتعالى يقول في هذا الشأن ( قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴿35﴾ ) .. إعْلَم أنهم يَدْعون إلى الضلاله والله يدعو إلى الهدى بفضله . حتى وإن توافق ما ورد على لسان أحدهم مع ما جاء في القرآن الكريم فيجب أن يُؤخذ على أساسٍ واحدٍ فقط وهو أن الله هو الهادي إلى ما يشاء لمن يشاء وفيما يشاء سبحانه . فمصْدَر التوفيق هو الله ...  أيهما سَيتًَّبِع الإنسان العَاقِل .. هل سَيَتَّبِع نَبْعُ الهُدَى أم المُوَفَْق إليه ..؟

5. القرآن كلامٌ كاملٌ حكيمٌ لا يحتاج إلى كلامٍ يُعيْنُه لتوصيل المعنى كاملاً إلينا )
                                           هذا كلام الله للناس وليس ككلام أيٌ من الخلق .. وليس لبلاغة كلام الله  حدود أو نهاية ، بعكس بلاغة كلام الخلق الناقصة .. فلو اتبعنا بلاغةً انسان بسبب توافقها مع بلاغة كلام الله فسوف نكتشف أن بلاغة الإنسان تَقصُر وتتوقف عند حَدٍ مُعَيَّن ، بينما تمتد بلاغة قول الله عزّ وجل وتتعمق .. لذلك فإن الإتكال والإلتزام ببلاغة البشر يسبب لدى المتأمل تشتت وارتباك وعدم اتزان وضياعٌ في الفهم مِمَّا يفتح مَدْخَلاً لإبليس "نستجير بالله من شَرّه" يُسْقِط وسْوَسَتِهِ في المكان الذي قَصُرَ عنه بلاغة البشر ويجب أن يدركه المتأمل من كلام الله لتكتمل غايته من التأمل ( كالذي يسير على جسر غير مكتمل البناء ، فلا هو وصل لغايته ولا هو سلم من السقوط ) ... والأمثلة في ذلك من الناس الذين وقعوا في ذلك كثير ( بدون ذكرٍ لأسماء )

لذا فإن الاكتفاء بقول الله دون الإلتفات لما سواه هو عين المقصود وهو الطريق الذي يوصل المُتأمل لغايته بإذن الله تعالى ، فكلام الله كامل لا يحتاج إلى مساعد له أو مساند من كلام البشر .
يقول الله عز وجل ( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) )

6. إن أفضل من يُفَسِّر كلام الله ، هو كلام الله نفسه )
                                                       تذكر بأنه لا يفسر كلام الله إلا كلام الله .. فإن أردنا تفسير قول من كلام الله فلنبحث عن تفسيره في كلام الله ... يقول الله سبحانه تعالى :- ( قل لوكان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ) . وهذا دليلٌ على أن كلام الله ليس له نهاية ويفسر بعضه بعضا ..
فإن أراد الله لك أن تهتدي لمعنى آيه أو كلمة من كلام الله فسوف يهديك مباشرةً إليها دون معين ، بشرط إخلاص النية والمقصد لله في بحثك عن تفسير أو تأويل آيه أو كلمة .. فإن عَجِزْت فاستعن بالله ثم بما سبقك إليه المفسرون ، وعليك بكتب التفسير الموثوقه ، ليس لتكتفي بما جاء فيها بل لتكون لك عوناً للبحث في تفسير الله للآية المراد تفسيرها

مثال : ( تفسير اسم الله [الرحمن] : يُفَسّرمعناه أول أربع آيات من سورة الرحمن )

بسم الله الرحمن الرحيم ( الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) )

ختاماً نسأل الله أن يُنير بصائِرنا وأن يهدينا لما يُنْجينا من غضبه وعِقابه ويرزقنا إدراك الحق واتباعه ، ويجعلنا من عباده المُخْلَصُون الذين ليس للشيطان عليهم سبيل ..

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى كافة أنبيائك ورسلك أجمعين .. اللهم آمين

أخوكم في الله

خالد بن عايض الأسمري

photo
photo

تعليق وحوار

photo
bottom of page